الصقرُ والعصفورُ

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

جخرجَ الصقرُ صباحًا من عشهِ، ورفرفَ بجناحيهِ، ثم قررَ أن يتحركَ للصيدِ فهو جائعٌ ويريدُ أن يأكلَ. وأبصرَ الصقرُ عصفورًا يعيشُ في المنازلِ، فأهوى عليه كالصاعقةِ، ولم يشعرِ الْعصفورُ إلا وهو بين أظافرِ الصقرِ، وصاحَ العصفورُ مخاطبًا الصقرَ: انتظرْ.. توقفَ الصقرُ عن الفتكِ بالعصفورِ وقالَ: ماذا تريدُ؟ قالَ العصفورُ: أنت تريدُ أن تأكلَني ولستُ سوى لقمةٍ واحدةٍ لكَ لا تُشبِعُ ولا تُغنِي من جوعٍ، وأنا أدلكَ على ما يشبعُكَ، وأنا صادقٌ فيما أقولُ.. وإن كنتُ كاذبًا، فإنك قادرٌ على أن تقبضَ عليَّ. فكَّرَ الصقرُ قليلاً، ثم قالَ للعصفورِ: كيفَ ستدلُني؟ قالَ العصفورُ: سأسيرُ أمامكَ وأنتَ ستتبعُنِي وسأكونُ بين يديكَ. فوافقَ الصقرُ، وأطلقَ العصفورَ، الذي انطلقَ طائرًا وتبعه الصقرُ. ولم يمضِ زمنٌ طويلٌ حتى وقفَ العصفورُ على سطحِ بناءٍ، ووقفَ الصقرُ بجانبِه. قالَ العصفورُ: هنا توجدُ مدجنةٌ فيها كثيرٌ من الطيورِ السمانِ. نظرَ الصقرُ إلى أسفل، ثم انقضَّ، وفي لمحِ البصرِ عادَ، وفي أظفارِه دجاجةٌ سمينةٌ. قالَ الصقرُ: لقد صدقتَ معي، وأنا أريدُ أن أتخذَك صديقًا. وأنتَ بصغرِ جسمِك قادرٌ على أن تستكشفَ الطيورَ في المنطقةِ. وأنا أريدُ أن أحضرَ إلى هنا كل ثلاثةِ أيامٍ وأحبُّ أن تصاحبَنِي. قالَ العصفورُ: أنتَ مننتَ عليَّ، أطلقتَ سراحِي ولن أخونَك، وأنا تحتَ أمرِك، وفي الوقتِ الذي تحتاجُنِي فيه تجدُنِي حيثُ وجدتَنِي أولَ مرةٍ.
ما زالَ الصقرُ يصطادُ من الدجاجِ، فيأكلُ ويطعمُ العصفورَ. أحسَّ صاحبُ الدجاجِ بنقصِ دجاجِه، فاختبَأ يترصَّدُ مَنْ يأخذُ الدجاجَ. أبصرَ الرجلُ الصقرَ، فجاءَ بستارةٍ ونصبَها جانبَ بابِ قِنِّ الدجاجِ (الخُم) ووضعَ عصا بجانبِه واختبأ تحتَ الستارةِ. في اليومِ الثالثِ جاءَ الصقرُ، ودخلَ الخُمَّ (القِنَّ) ففزعَ الدجاجُ وهربَ في أنحاءِ القنِّ، وارتفعتْ أصواتُه، وعرفَ صاحبَ الدجاجِ أن الصقرَ قد حضرَ، فسارعَ إلى الخروجِ من تحتِ الستارةِ وأغلقَ البابَ. حاولَ الصقرُ الفرارَ فلم يستطعْ، ودارَ ودارَ في القنِّ وصاحبُ الدجاجِ يلاحقُه بالعصا حتى تعبَ وسقطَ على الأرضِ. أمسكَ به صاحبُ الدجاجِ وربطَ رجلَه بسيرٍ من الجلدِ ووضعَه في قفصٍ من الحديدِ، ووضعَ له بعضَ قطعِ الطعامِ وبعضَ الماءِ. هكذا ظلَّ صاحبُ الدجاجِ يرعى الصقرَ حتى ألفَه الصقرُ، فأخرجَه يومًا، وأخرج طائرًا، ثم أطلقَ الطائرَ، وأطلقَ الصقرَ، فانطلقَ الصقرُ وراءَ الطيرِ، ولكن سيرَ الجلدِ منعَه من الابتعادِ، فعادَ الصقرُ إلى صاحبِه فتلقاه على قفازٍ من الجلدِ. تكررتْ عمليةُ الإطلاقِ مراتٍ عديدةً، فظهرَ أن الصقرَ قد ألفَ صاحبَه، وصارَ إذا أطلقَه عادَ إليه، وصارَ صاحبُه يطلقُه حين يتشوقُ إلى الصيدِ، وحاولَ بعضَ الجيرانِ أن يشتريَ منه الصقرَ، وبذلَ له مالاً وفيرًا، ولكنه أبى أن يبيعَه، واحتفظَ به. وكان يحزنُ كلما رآه اصطادَ عصفورًا، فهو ينظرُ إلى العصافيرِ بعينِ المحبةِ ولكنه يحبُّ الصقرَ أكثرَ، لأن الألفةَ كانت قويةً.